الأربعاء، 21 أكتوبر 2015

الحاجة الى الرسل





الإنسان عاجز على التواصل مع الله عزوجل بنفسه ، فهو لا يرى الله ، ولا يسمعه ،ولهذا يحتاج الإنسان الى ما يسمى بالوسيط ، وهذا الوسيط بديهى أن يكون بإختيار الله عزوجل نفسه ، فيصطفيه من بين المخلوقات ليكون مرسلا ، مبلغا لما يريده الله عزوجل للعباد ، ولهذا وجب أن يكون للمصطفين شروطا وصفات يتصفون بها ، وهذه لا يعلمها الا الله عزوجل ((قال الله تعالى : { اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ })) 

الرسالة شئ هام جدا للإنسان ، ولهذا كانت الصفات للمرسلين أهم شئ فى الرسالة ، لأن الرسول سيختلط بالناس ، يوجههم ، ويعلمهم ، ويرشدهم ، فلا يمكن هنا أن يكون المُرسَل مثلا ؛ أناني ، أو كاذب ، وووو الخ من الصفات المعيبة للإنسان ، بل وجب أن يكون متصفا بصفات كـــ الأمانة ، العدل ، الفطنة ، التبليغ ووووالخ ...


وبديهى أيضا ، وعقليا ؛ أن يكون المرسل من نفس جنس المرسل إليه ، حتى يستطيع التواصل معهم ويبلغهم ما أرسله الله به ، فــ جميع الرسل والأنبياء كانوا من البشر ، لم يأتينا مثلا كائنا فضائيا (مجرد مثل) كرسول ، أو من الجن ...

وهذه تقريبا نقطة مهمة جدا جدا ... لو لاحظنا أن معظم الديانات تقوم على تأليه المرسَل اليهم ، كما فعلت المسيحية مع سيدنا عيسى عليه السلام ، فقد جعلوا منه إلها على غرار الديانات الوثنية القديمة ، ولكن فى الإسلام محمد رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) ، بُعث لتبليغ الرسالة كبشر عبد لله ، وظل حتى لقى ربه عبدا لله ، لم يدٌعى الألوهية ، او لم يقل الصحابة ومن بعدهم أن محمد إله ، وهذه نقطة دالة فى الحقيقة على صدق الرسالة
فقال تعالى " قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً [الكهف : 110].

لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [الأعراف:188].

وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ [آل عمران:144].

.... (((وليس موضوعى على أى حال هنا صدق الرسالة )))....

الإنسان بدون هذا التواصل لن يصل لكثير  من الأشياء والحقائق فى حياته ، ولن يعرف كيفية التواصل مع خالقه ، أو ما يريده خالقه ، وما له وما عليه ، ولذلك فالحاجة إلى الرسل كبيرة ومهمة فى حياة الإنسان .


فـــ ألخص الحاجة إلى المرسلين ؟!


1- معرفة ما على الإنسان تجاه خالقه ، وما له من حقوق وواجبات سواء تجاه خالقه أولا ، أو تجاه إنسان مثله ، فتجاه الله عزوجل وجب التوحيد به وعدم الشرك ، إطاعة أوامر الله عزوجل ، ووو الخ من الواجبات تجاه الخالق ، وما له من الله كــ الرزق والصحة ووووالخ  ...

2- كيفية العبادة للخالق ، فالإنسان مفطور على الإيمان بالخالق سبحانه ، ولكنه لا يستطيع معرفة كيف تكون عبادته؟!
الصلاة ، الصوم ، الحج ، وووالخ ، هذه الفرائض والشعائر هى كيفية العبادة والتى لها شأن كبير فى حياتنا كوسيلة للراحة النفسية ، وارتقاء النفس البشرية ، وسمو الاخلاق وووووالخ ، ولولا الرسل ما عرفناها ....

3- لولا إرسال الرسل لما عرف الإنسان ماذا بعد موته ؟! ، وهذا لا يمكن الإجابة عليه إلا من خلال الدين ، لأن العلم يقف عند الغيبيات ، فلا يستطيع الدخول اليها ، ولكن الإنسان مفكر ، محلل ، يسأل دائما : ماذا بعد الموت ؟!

4-  معرفة ما جزاء من يفعل الخير وكذلك الشر ؟!
فإذا كان الإنسان خيٌر ، فما فائدة هذا كله ؟! ، مع فرض عدم وجود رسل ، فمن يقتل مثلا فماذا يكون عليه من جزاء ؟! ، وإن إستطاع الهرب بسهولة من الجزاء (فى القوانين الوضعيه) فهل يكون انتهى الامر ...
التاريخ فيه مثلا من القتلة المتسلسلين الكثير ، حيث أن هذا النوع من القتلة يصعب الإمساك بهم ، وكم من جرائم تم ارتكابها ولم يتم الإمساك بالجانى ؟! فهل انتهى الامر هكذا ....!!!!!
الدين كالمكابح يعمل على إيقاف الشر ، ويبين أيضا أن فعل الشر إن وقع حدوثه فله جزاء شديد ...
أما بدون الدين الذى يوصله ويبلغه لنا الرسل ، فلن نستطيع أن نسيطر على جرائم النفس ، وقد يقتضى الكلام فى هذا أن يقول البعض : الدين موجود ومع هذا تكثر الجرائم ..فماذا فعل ؟!
الدين يقول أن الجرائم هذه له عقاب ، سواء عقاب دنيوى أو أخروى (فى الأخرة ) ، والإنسان مخير وله ما يريد ، لكن عليه أن يعلم ((عن طريق الدين والمرسلين )) أن له عقاب شديد على اختياره لفعل الشر وتركه للخير .....

5- إرسال الرسل لهو شئ هام ، فلولا هذا لكان الناس يوم القيامة يحتجون على الخالق ، ولذلك فإن الله لا يعاقب قوما ما على كفرهم أو شركهم  إلا بعد إرسال رسول لهم ليبين لهم الصواب من الخطأ ، فلا يحتج أحد يوم القيامة ويقول لله أنت لم ترسل لنا رسولا يعرفنا ويبين لنا ...

﴿رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً ﴾
( سورة النساء الآية: 165)
وكذلك (( وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا))...

6- مع الرسل تم الكشف عن حقائق تغيب عن الإنسان ، ولولا الرسل لظل السؤال قائم إلى يوم القيامة وهو : ما الغاية من وجود الإنسان ؟! ، ولذلك فالماديين الذين ينكرون الرسل وكل هذا ، يقفون دائما عند هذا السؤال ليسألوا :

ما الغاية من كل هذا ؟! وما الغاية من وجودنا كبشر على هذا الكوكب .؟!!!

وهذا لا يوجد له إجابة إلا فى الدين ...


7- التعاليم ؛ تلك التى لا يمكن للإنسان أن يعيش بدونها ، فلابد للإنسان من مسار يسير عليه ، تعاليم توجهه إلى ما يجب وما يمتنع فعله ، ولولا التعاليم لأصبحت حياة الإنسان همجية ويسود الفساد بلا شك..

 ((وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ )) ... 

فهذه التعاليم هى بمثابة الضوء الذى يقود الناس ليخرجهم من ظلمات الجاهليات من الأفعال والعادات ، إلى نور العدل والحق ولهذا قال تعالى ((كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز )) ، نلاحظ الله عزوجل قال صراط ، والصراط معلوم أنه استقامة ، فمن مال عنه هلك فى الظلمات فقال سبحانه عن هؤلاء الذين يمليون عن الحق: { أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ )) ..والجاهلية عادات مذمومة تُهلك الإنسان ولا تُنجيه ...


8- يقول الأستاذ ج.و.ن.سوليفان :
((إن الكون الذى كشفه العلم الحديث هو أكثر غموضا وإبهاما من التاريخ الفكرى بأكمله ، ولاشك فى أن علمنا عن الطبيعة أكثر غزارة من أى عصر مضى ، ولكن هذه المعلومات كلها غير مقنعة ، فنحن نواجه اليوم الإبهام والمتناقضات فى كل ناحية ))
Limitations of Science,p.1
استطاع الانسان الوصول لإنجازات علمية هائلة ، فقد وفر وسائل كثيرة له ولحياته ، وقد سافر للفضاء ، وووالخ ، لكن رغم كل هذا لم يعرف الانسان اللغز المهم وهو
(علم الإنسان نفسه) ، وهو فى ذلك يدل على أن الإنسان يحتاج الى هدى الله عزوجل من اجل أن يعرف نفسه ، فقد كانت حيرة العلماء على مر العصور كبيرة وعجزهم أيضا أن يكشفوا الإنسان نفسه ..
       
9- عالم المادة 

هو ذلك العالم الذى يعمل فيه العقل البشرى ، فلا يستطيع إدراك ما هو خارج عن عالم المادة ، فعالم الغيب بما فيه من مخلوقات لم يستطع الإنسان إدراك وجودها بالعقل أو بالعلم مثل الملائكة والجن ، وكمثل الروح ، والنفس البشرية ، وهذا كله لايمكن إدارك الإنسان له من نفسه ، وإنما احتاج إلى من يعلمه .

كما أنه حينما سادت العلوم المادية الحياة الإنسانية تطلع لها الجميع وظنوا انها المخلص والمُنقذ من الضلال والظلام ، ولكن سرعان ما بدأوا يبتعدوا عنها ، ذلك لأن هذا العالم (المادى ) يهتم فقط بالجانب المادى للإنسان ، ويترك العالم الروحى للإنسان والنفسى  والذى هو أساس الحياة ، فتلك الحياة المادية عاجزة عن معالجة المشاكل النفسية ، عاجزة عن التواصل الروحى ، ومع هذا ؛ عاجزة أيضا عن تفسير الكون .!!


بالإضافة الى أن عالم المادة الذى نغرق فيه أحيانا لا يستطيع تقديم أى نوع من الإرشاد للصحيح ، فحينما يضل الإنسان فإن هذا العالم المادى يزيد من ضلال الإنسان ، نأخذ الغرب أبسط مثال ، يعيش الغرب فى ظلمات المادة (بغض النظر عن تقدمهم العلمى ) ورغم تقدمهم فقد ساد معه الفساد والامراض والضلال ، هذا كله لأنه لا يوجد مُرشد ، لأنه حتى الدين الذى كان سائدا هو دين وثنى بنسبة كبيرة (المسيحية ) ، لما به من تحريفات وإدخالات كثيرة ، ولذلك مع أول فرصة لجأوا إلى الحياة المادية ظناً منهم أنها ستعوضهم الجانب النفسى والروحى ولكنهم اكتشفوا انهم على خطأ ,.......


إذن التعاليم هذه كالمصباح للإنسان ، وهذه مهمة من ضمن مهمات الرسل الضرورية ...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق